منتديات موقع بشارة خير

منتديات موقع بشارة خير (https://www.22522.com/vb/index.php)
-   المنتدى الإسلامي (https://www.22522.com/vb/forumdisplay.php?f=67)
-   -   الكبر وحبّ السيطرة (https://www.22522.com/vb/showthread.php?t=52286)

يمامة الوادي 2007-07-30 9:14 AM

الكبر وحبّ السيطرة
 
الكبر وحبّ السيطرة


لماذا يعزف كثير من الناس عن الاستشارة ، ويستأثرون بالأمر وحدهم دون مشاورة من حولهم ، وتجد أن أغلب قراراتهم - إن لم تكن كلها - تتسم بالفردية ؟ إن هناك أكثر من سبب لهذا الأمر ، وقد يجتمع في المرء عدة أسباب ، وقد يتصف بواحد منها ، أو يطرأ له أحدها فيحول بينه وبين الاستشارة .


وسأذكر أهم هذه الأسباب ، وبالذات الأسباب المباشرة دون غيرها من الأسباب غير المباشرة ، وسأوضح كل سبب حسب ما يقتضيه المقام :


1- الكبر والإعجاب بالنفس : الكبر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بَطَر الحق وغمط الناس " .. فالمتكبر بسبب بطره للحق وغمطه للناس لا يستشير ، ومثاله فرعون الذي قال لقومه : ( مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)..

إن إعجاب المرء بنفسه لا يتيح له فرصة ليرى الناس على حقيقتهم ، فالغرور يملكه فيصمُّه ويعميه ، ويودي به إلى الاستخفاف بغيره ، ومن ثم الاستخفاف بآرائهم وإمكاناتهم .


- إن الكبر والإعجاب أصل الداء وموطن البلاء ، وما أصيب بهما أحد إلا هلك ، إما في دنياه ، أو في آخرته ، أو فيهما معا ، ولذلك ورد في الحديث : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر " .

وقد ذم الله الكبر فقال - سبحانه - : ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ) .. وفي سورة غافر : ( وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ) .. وصدق الله العظيم : ( إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ) .


2- حب السيطرة والتفرد : وهذا يختلف عن الإعجاب والتكبر ، وإنما هو مرض آخر، فقد يشعر الإنسان أن استشارته لغيره قد تفقده بعض امتيازاته ، سواء الحسية أو المعنوية ، فيبقي القرار بيده ، وينفرد بالأمر دون غيره ، وهذا نوع من التسلط الذي يبتلي به بعض الناس غير مدرك لآثاره السلبية في العاجل والآجل .


3- الشعور بأن الاستشارة ضعف في الرأي وعدم قدرة على اتخاذ القرار : فهناك من يتصور أن الاستشارة ضعف ، حيث تقول له نفسه الأمارة بالسوء : إنك لو كنت قادرا على اتخاذ القرار لما استشرت غيرك ، بل توسوس له أن الناس سيقولون ذلك ، ويلمزونه به .

وقد أدرك الشاعر هذا الجانب فقال :


ولا تحسب الشورى عليك غضاضة مكان الخوافي قوة للقوادم

والحقيقة التي تخفى على الكثيرين : أن الاستشارة قوة لا ضعف، وحكمة لا طيش ، ويكفي للدلالة على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس استشارة لأصحابه ، وهل يدعي مسلم أنه أقوى من رسول الله صلى الله عليه وسلم حسا أو معنى ؟ بل هل يتصور أن مسلما يسِم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضعف لأنه كان كثير المشاورة لأصحابه ؟ حاشاه من ذلك .. وقل نحو ذلك عن أبي بكر أو عمر - رضي الله عنهما - ، وهما من هما في القوة ، والصلابة ، ورجاحة العقل .


4- عدم إدراك فوائد الاستشارة وخطورة الفردية : إن للمشاورة فوائد جمة ، سبق ذكر أهمها ، وهذه الفوائد قد تخفى على بعض الناس ، فلا يدرك قيمة الشورى ، ويتصور أن ما يذكر حول أهميتها قد يكون مبالغا فيه ..

ويزداد الأمر خطورة إذا لم يدرك خطورة الفردية والاستقلال بالأمر دون غيره ، ولا يعلم الآثار المترتبة على الفردية في القرار ، وبخاصة إذا كان الأمر المعني لا يتعلق به وحده ، وإنما هو من أمور المسلمين العامة ، التي قد يتعدى أثر ضررها إذا وقع ، ويصعب حصره والحد منه .. ونظرة متأنية لواقع المسلمين اليوم ، وما تقدم عليه بعض الجماعات من مواقف غير محسوبة النتائج يدرك ما أعنيه .


5- ضعف ثقته بالناس ومن حوله : وقد يكون هذا الأمر ناشئا عن أسباب حقيقية ، وقد يكون وهما وشكا ووسوسة - وهو الأغلب - .. وإذا ضعفت ثقة الإنسان بمن حوله فلن يأتمنهم على أموره ، ولن يثق في مشورتهم وآرائهم .


إن عدم الثقة إن كان ناشئا عن أسباب واقعية كالخيانة - مثلا - ، وسطحية الرأي ، ونحو ذلك فهذا أمر يعذر فيه الذي لا يستشير هؤلاء ، ولكننا نقول له : هب أن هذه الصفة وجدت في بعض الناس ، فلن تعدم ثقةً رزينا عاقلا ، بعيد النظر ، عميق التفكير ، أما أن تعمم هذا الأمر على كل الناس فلا يجوز .


أما إذا كان عدم الثقة بسبب صفة اتصف بها ذلك الإنسان ، ولا علاقة لهذه الصفة بالرأي ، كأن يكون فقيرا ، أو من عائلة دون عائلة الأول ، أو أقل مرتبة ممن يحتاج إلى الاستشارة ، فنقول له : هذه أسباب وهمية لا تبرر عدم استشارته أو سوء الظن فيه ، ولذلك قال الشاعر :


لا تحقر الرأي يأتيك الحقير به فالنحل وهو ذباب طائر العسل

وكذلك قال الهدهد لسليمان - عليه السلام - : ( أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ) .. ولم ينكر عليه سليمان - عليه السلام - مقولته ، مع أن الهدهد من أضعف الطيور وأقلها شأنا وقيمة ، وثبت صحة ما قاله ، بل جاء بأمر جلل عظيم ، كان له ما بعده كما في سورة النمل .


6- الاستهتار والاستخفاف : وهذا يختلف عن الكبر والإعجاب ، مع أن بينهما تداخلا ، ولكن الذي أعنيه هو عدم المبالاة ، وسوء تقدير الأمور ، فقد يتصور بعض الناس أن هذا الأمر الذي أقدم عليه يعتبر أمرا هينا ، لا أثر له في حياة الناس ..

أو أنه يكون ضعيف الإحساس ، بحيث لا يبالي بما يترتب على هذا الأمر من خطورة قد تجر إلى مصائب يصعب تلافيها وتداركها ، وهو كذلك مستخف بالناس ، لا يعنيه من عنتهم شيء، ولو كان هو السبب في هذا العنت والمشقة، وهو كما قال -تعالى- واصفا فرعون : ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ) .. إن من اتصف بصفة الاستخفاف والاستهتار لن يلجأ إلى الشورى ، بل ليس أهلا لأن يكون من أهلها مستشيرا أو مشيرا .


7- التساهل والتسويف حتى يحل الأمر : ومن الأسباب أن بعض الناس يرغب في الاستشارة ، ويعرف قيمتها وأثرها ، بل قد يعزم عليها ، ولكنه يسوف ويؤجل ، وكل يوم يقول : سأستشير غدا أو بعد غد ، وهكذا يماطل نفسه حتى يضيق الوقت ، ويصبح أمام واقع لا خيار له في اتخاذ القرار ، وقد يتخذ قرارا خاطئا يندم عليه لتفريطه ، وتهاونه ، وتسويفه ، وعدم استشارته .


8- العجلة والخفة وعدم رباطة الجأش : العجلة من الشيطان ، ما صاحبت شيئا إلا أثرت فيه ، ونعني بالعجلة ما كانت في أمرٍ الأصل فيه التريث والتأني .. والعجلة والخفة تفوت على الإنسان فرصة الاستشارة ، فيستعجل في تصرفه ، مما قد يوقعه في سلبيات لا حصر لها ..

ومثل ذلك الطيش ، وعدم رباطة الجأش عند مواجهة الأحداث ، فيندفع الإنسان دون تبصر للعواقب .. والتأني هو من سمات العقلاء .. والحماقة من خوارم الحكمة ، وهما مما استعصى أمر علاجها على الحكماء :


لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها



9- الهوى : الهوى يعمي ويصم ، وما صاحب شيئا إلا شانه ، وما نـزع من شيء إلا زانه .. وقد ذم الله الهوى في آيات كثيرة من كتابه ، فصاحب الهوى لا يبحث عن القول السديد والرأي الرشيد ، وإنما يتبع هواه حيث قاده ، قال - سبحانه - : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ) .. وقال : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ ) .. وقال : ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ) .. وقال : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ) .


ودوافع الهوى وأسبابه كثيرة جدا ، وقَلَّ أن يسلم منها أحد ، ولكن بالإخلاص والتجرد ، ومغالبة النفس ، وكثرة الدعاء، وتذكر الآخرة ، يعان المسلم على ذلك .. ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) .


هذه أهم موانع الاستشارة ، واللجوء إلى الفردية في الرأي والمواقف ، وعلى المرء أن يكون حذرا من تلبسه بواحدة من تلك الصفات والموانع ، وعليه بالمبادرة إلى التخلص مما يجد أنه قد تلبس به أو حام حوله ..

وليعلم أن الفردية في الرأي لا تأتي بخير ، وأن الشورى لا تأتي بشر أبدا ، بل إنها لا تأتي إلا بخير إذا كانت على وجهها الصحيح ، ويجب أن تكون كذلك ، ويكفي في المشاورة أن غنمها لك وغرمها على غيرك ، ومن شاور الرجال شاركهم في عقولهم .

- قال ابن عبد البر : الشورى محمودة عند عامة العلماء ، ولا أعلم أحدا رضي الاستبداد ، إلا رجل مفتون مخادع لمن يطلب عنده فائدة ، أو رجل فاتك يحاول حين الغفلة ، وكلا الرجلين فاسق .


عبد الله بن عيسى




الساعة الآن 12:18 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By World 4Arab

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الآراء والتعليقات المطروحة تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع وللأتصال بالدكتور فهد بن سعود العصيمي على الايميل التالي : fahd-osimy@hotmail.com