منتديات موقع بشارة خير

منتديات موقع بشارة خير (https://www.22522.com/vb/index.php)
-   رياض القرآن (https://www.22522.com/vb/forumdisplay.php?f=35)
-   -   ‏أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلّى‏‏ (https://www.22522.com/vb/showthread.php?t=48131)

يمامة الوادي 2007-05-15 9:24 AM

‏أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلّى‏‏
 
‏أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلّى‏‏



من خطب الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

الحمد لله ثم الحمد لله‏،‏ الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده‏،‏ ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك‏،‏ سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك‏،‏ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له‏،‏ وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله‏،‏ وصفيه وخليله‏،‏ خير نبيٍ أرسله‏،‏ أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً‏،‏ اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد‏،‏ وعلى آل سيدنا محمد‏؛‏ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين‏،‏ وأوصيكم ـ أيها المسلمون ـ ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏

أما بعد‏،‏ فيا عباد الله‏:‏

أرأيتم إلى الطعام كيف جعل الله سبحانه وتعالى الفاطر الحكيم منه غذاء للجسد‏،‏ به تبقى وظيفته‏،‏ وبه تشتد قوّته‏،‏ وبه تتحقق فاعليته‏،‏ وبه تستمر حياته‏؛‏ فكذلكم الصلاة جعل الله سبحانه وتعالى منها غذاء للروح‏،‏ بالصلاة تنشط الروح وتقوى‏،‏ بالصلاة تمتد فيها الحياة‏،‏ بالصلاة تنتعش الروح وتصح وتقوى‏،‏ هما غذاءان‏:‏ غذاء أكرم الله عز وجل به الإنسان لجسده‏،‏ من دونه يموت الجسد‏،‏ ويتحول أنكاثاً‏،‏ وغذاء آخر لروحه هو الصلاة‏،‏ بدون هذا الغذاء تموت الروح‏،‏ وتيبس‏،‏ وتتحول إلى وجود شكلي تافه لا معنى له‏.‏

هذه الصلاة ‏-‏ أيها الإخوة ‏-‏ قبل أن تكون تكليفاً خاطب الله عز وجل به عباده‏؛‏ هي تشريف شرَّفهم الله سبحانه وتعالى بها‏،‏ ورفع أقدارهم بها إلى أعلى الرتب والدرجات‏،‏ أرأيتم إلى الرب سبحانه وتعالى عندما يدعو عباده إلى أن يدخلوا في حضرته‏،‏ فيقفوا بين يديه‏،‏ ويخاطبوه‏،‏ ويناجوه‏،‏ فيرَّد على خطابهم ونجواهم‏؟‏ أرأيتم إلى هذه الدعوة‏؟‏ أهي تشريف أم تكليف‏؟‏ إنها تشريف عظيم وعظيم جداً قبل أن تكون تكليفاً‏.‏

إنني لأنظر إلى الداعي حين يدعوني إلى الوقوف بين يدي الله عز وجل بين الساعة والأخرى‏،‏ وأتأمل في هذه الدعوة‏،‏ وأنظر إلى بُعْدي عن الله عز وجل‏،‏ والـحُجُب الكثيفة التي تتمثل في الغفلات‏،‏ في المعاصي‏،‏ في الابتعاد عن الله عز وجل‏،‏ ومع ذلك يدعوني داعي الله عز وجل إلى الوقوف بين يديه‏،‏ وإلى الدخول إلى حضرته مخترقاً كل هذه الحواجز‏،‏ عندما أتصور هذا الشرف الرباني ينبغي أن أذوب خجلاً من الله‏،‏ ومَنْ أنا في عالم الله سبحانه وتعالى حتى أُدعى إلى المثول بين يديه‏؟‏ وحتى أناجيه‏،‏ وأخاطبه‏؟‏ يرتفع بي الباري عز وجل إلى مستوى خطابه‏،‏ إلى مستوى الوقوف بين يديه‏،‏ تأمَّلوا هذا المعنى العظيم ‏-‏ أيها الإخوة‏،‏ أجل هي تكليف من أعظم التكاليف‏،‏ ولكنها قبل ذلك تشريف من أَجَلِّ ما شرّف الله عز وجل به عباده المؤمنين‏،‏ وانظروا ‏-‏ أيها الإخوة ‏-‏ تلك هي الحكمة من أن الله عز وجل لم يخاطب بهذا الشرف‏،‏ ولم يَدْعُهم إلى رحابه إلا عندما أصبحوا مؤمنين‏،‏ لمالله عز وجل بهذه الصلاة غير المؤمنين‏،‏ ألم يقل عز وجل‏:‏ {إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً} [النساء‏:‏ 4‏/‏103]‏؟‏ لماذا‏؟‏ لأن الذين لم يَشْرُفوا بالإيمان بعد ليس لهم شرف الدخول إلى رحاب الله عز وجل‏،‏ ليس لهم شرف المثول بين يدي الله سبحانه وتعالى‏.‏

إذا عرفنا هذه الحقيقة ‏-‏ أيها الإخوة ‏-‏ تعالَوْا نتساءَلْ كيف يتأتى لمن آمن بالله‏،‏ ولمن أسلم ذاته لله سبحانه وتعالى‏،‏ ولمن عرف نفسه عبداً لله‏،‏ وعرف الله سبحانه وتعالى إلهاً له وقيوماً عليه‏،‏ كيف يتأتى له أن يُعرض عن هذا الشرف‏؟‏ كيف يتأتى له أن يُعرض عن هذا التكليف الذي شرفنا الله سبحانه وتعالى به‏؟‏ عندما تكون مؤمناً بعبوديتك لله موقناً بربوبية الله الذي يملك الكون كله‏،‏ منه المبدأ وإليه المنتهى‏،‏ عندما تكون مؤمناً بذلك ثم تجد أن الله عز وجل تقديراً منه لك‏،‏ وتشريفاً منه لك‏،‏ يدعوك إلى رحابه‏،‏ يدعوك إلى حضرته لتخاطبه بما تريد‏،‏ ولتطلب منه ما تريد‏،‏ وليبادلك ‏-‏ وهو الإله القوي العزيز ‏-‏ ليبادلك حواراً بحوار‏،‏ كيف يتأتى منك أن تُعرض عن دعوته‏؟‏ كيف يتأتى منك أن لاتلبيه بكل كيانك وبكل شراشرك‏(‏1‏)‏‏؟‏ كيف يتأتى منك وأنت مؤمن بذاتك عبداً‏،‏ ومؤمن بالله رباً‏،‏ كيف يتأتى إذا دعاك أن تُعرض عن دعوته‏،‏ وأن تُصِمَّ أذنيك عن الاستجابة لتكليفه وأمره وتشريفه‏؟‏ لا يمكن‏،‏ لايتأتى هذا ‏-‏ أيها الإخوة ‏-‏ بشكل من الأشكال‏.‏

ومع ذلك فإننا لنقول دائماً‏:‏ إن الإنسان ضعيف‏،‏ ولنذكر في هذا قول الله عز وجل‏:‏ {وَخُلِقَ الإِنْسانُ ضَعِيفاً} [النساء‏:‏ 4‏/‏28] ربما تكاثرت عليه أعباء الكسل تواردت عليه أعباء الغرائز‏،‏ الرغبات والشهوات المختلفة التي تَصُدّه عن الاستجابة لأمر ربه فدعاه ذلك كله إلى الإعراض‏،‏ دعاه ذلك كله إلى الكسل‏،‏ إلى نسيان قول الله عز وجل‏:‏ {إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً}‏.‏

ولكن هل يتأتى لهذا الإنسان أن يتجاوز هذا الحد‏،‏ وأن يغالي في ابتعاده عن الله عز وجل‏،‏ فيضيف إلى الإعراض‏،‏ ويضيف إلى ما يفعله من التجاهل لنداء الله سبحانه وتعالى‏،‏ هل يتأتى لهذا المؤمن أن يضيف إلى ذلك النهي عن الصلاة‏؟‏ أنت تُعرض عن الصلاة لكسلك‏،‏ لتثاقلك‏،‏ للحواجز الشهوانية التي تشدك إلى الخلف‏،‏ وتجعلك تعرض عن شرف الدعوة الربانية لك‏،‏ كل هذا يمكن أن يُفَسَّر أو يُؤَوّل على أنه من مظاهر الضعف الذي أشار إليه بيان الله عز وجل‏،‏ ولكن كيف يتأتى منك أن تنهى عبداً من عباد الله عز وجل عن الصلاة‏؟‏ وأنت مؤمن بكلام الله عز وجل‏،‏ وأنت موقن بما قاله الله سبحانه وتعالى في محكم تبيانه‏:‏ {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ‏،‏ عَبْداً إِذا صَلَّى ‏،‏ أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدَى ‏،‏ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} [العلق‏:‏ 96‏/‏9‏-‏12] مؤمنٌ يضيف إلى إعراضه نهي المؤمنين بالله عن استجابة دعوة الله عز وجل‏،‏ هذا لايتأتى – أيها الإخوة – بحال من الأحوال أبداً‏.‏ ماذا يصنع بنفسه هذا الذي يمنع المؤمنين من النهوض إلى الاستجابة لأمر الله‏؟‏ من استجابة دعوة الله للدخول إلى رحابه‏؟‏ ماذا يصنع عندما يجد نفسه وقد صَنَّفَ هو ذاته في قائمة من قال الله عز وجل عنهم‏:‏ {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ‏،‏ عَبْداً إِذا صَلَّى}‏؟‏ إنه أبو جهل الذي كان ينهى رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم عن الصلاة قرب الكعبة ويتهدده على ذلك {أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدَى} تمنعه حتى وإن كان على الهدى‏؟‏ تمنعه وإن كان يُعَلِّمُ الناس الرشد ويأمرهم بالتقوى‏.‏ يا هذا ألا تعلم أن الله يرى‏؟‏ يرى ما تصنع يكفي أنك مُعْرض عن الصلاة‏،‏ بدلاً من أن تلجأ إلى الله وتستغفره‏،‏ وتسأله أن يتغمد معصيتك‏،‏ وأن يغفرلك ذنبك‏،‏ وأن يبدل ضعفك قوة‏،‏ بدلاً عن ذلك تنشر موقفك هذا بين الآخرين‏؟‏ وتصد عباد الله المؤمنين عن الصلاة‏؟‏

مجتمع فيه من يعرض عن الصلاة‏،‏ ربما تغلبت على انحرافاته مغفرة الله‏،‏ والله غفور وتواب‏،‏ ولكنْ مجتمع فيه من يعرض عن الصلاة‏،‏ وفيه من ينهى عن الصلاة‏،‏ ويأمر بترك الصلاة‏،‏ لا يمكن إلا أن يكون مجتمعاً خاسراً‏،‏ لا يمكن أن ينهض بكبوته إن وقع في كبوة‏،‏ لا يمكن أن يتغلب على عدو إن واجهه عدو‏،‏ ينبغي أن يصلح نفسه مثلُ هذا المجتمع‏.‏ أيها الإخوة انظروا إلى قول الله عز وجل إذ يقول‏:‏ { اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ} [البقرة‏:‏ 2‏/‏45] {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} نستعين بالصلاة لماذا‏؟‏ لكل شيء‏:‏ إن طاف بكم بلاء‏؛‏ استعينوا بالصلاة يرتفع البلاء‏،‏ إن وقعتم في مغبة خسران‏؛‏ استعينوا بالصلاة يتحول الخسران إلى ربح‏،‏ إن وقعتم في تخلف يتمثل في ضعف عدو يتهددكم‏؛‏ استعينوا بالصلاة‏،‏ فإن الصلاة تقويكم من ضعف‏،‏ تعطيكم الغلبة‏،‏ تنصركم على أعدائكم‏،‏ ولذلك ذكّر الله عز وجل عباده عامة بهذا الصلاة‏،‏ ثم ذكّر على وجه الخصوص أولئك الذين يقفون في الخنادق ليدافعوا عن أمتهم وليواجهوا عدوهم إذا صادفهم‏،‏ يوجّه إليه هذه التذكرة بصورة خاصة لأنهم في الموقع الذي يتضاعف واجب إقبالهم إلى الله عز وجل‏،‏ ماذا يقول‏؟‏ {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقد علمتم أن الصلاة هي أول أنواع الذكر‏،‏ وأقدس أنواع ذكر الله سبحانه وتعالى‏،‏ ربط مقابلة المؤمنين للعدو بهذا الدواء وبهذا العلاج‏،‏ فكم وكم هو خَطِر أن يكون الذين يقفون في الخنادق أو المعسكرات ويترقبون عدواً ربما يطمع في أرضهم وبلادهم ليقوموا بواجب الدعوة‏،‏ بل بواجب الحماية‏،‏ بواجب الدفاع عن الحقوق والمقدسات‏،‏ وانظروا كم هو خَطِر أن يكون هؤلاء الناس من المعرضين عن ذكر الله عز وجل‏؟‏ وأشد من ذلك خطراً أن يكون هؤلاء الناس أنفسهم الذين يمنعون المقبلين إلى الله عز وجل لصلاة يؤدونها‏،‏ أو لعبادة ينهضون بها‏،‏ أو استجابة لشرف دعوة دعاهم الله سبحانه وتعالى إليها‏.‏ هذا هو الخيط الأول الذي يُجَسِّد إيمان المؤمنين‏،‏ والذي يصل ما بينهم وبين الله‏،‏ فإذا انقطع هذا الخيط ما الذي بقي أيها الإخوة‏؟‏ ما هو مصداق إسلام المسلم‏؟‏ ماهو مصداق إيمان المؤمن بالله سبحانه وتعالى‏؟‏

أسأل الله سبحانه وتعالى أن لايحرمنا من الاستجابة لهذا الشرف‏،‏ كما قلت لكم‏:‏ هو تشريف قبل أن يكون تكليفاً‏.‏ ويعلم ذلك من ينهض إلى النوافل بعد الفروض‏،‏ من يكثر النوافل من الصلاة بعد الفروض يعلم ذلك‏،‏ ولذلك يقول له الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏ومايزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه‏،‏ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‏،‏ وبصره الذي يبصر به‏،‏ ويده التي يبطش بها‏،‏ ورجله التي يمشي بها‏،‏ ولئن سألني لأعطينه‏،‏ ولئن دعاني لأجيبنه‏)‏‏)‏‏.‏

اللهم اجعلنا من هؤلاء‏،‏ اللهم لاتُبعد عنا شرف الاستجابة لدعوتك‏،‏ لدخول حماك يارب العالمين‏،‏ وأصلح حال أمتنا جمعاء يا مولانا يا رب العالمين‏.‏

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم‏.‏

البهلوان 2007-05-26 8:54 PM

بارك الله فيك

يمامة الوادي 2007-05-26 10:06 PM

الله يسلمك,,


الساعة الآن 5:18 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By World 4Arab

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الآراء والتعليقات المطروحة تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع وللأتصال بالدكتور فهد بن سعود العصيمي على الايميل التالي : fahd-osimy@hotmail.com