![]() |
وأنتم... ماذا تصنعون بأقلامكم الفارغة؟
وأنتم... ماذا تصنعون بأقلامكم الفارغة؟ سعيدة بشار احتجتُ أنا وصديقتي إلى استشارةٍ علمية، فتوجَّهنا كالعادةِ إلى الذي ألِفنا استشارته وألِف هو مساعدتنا، ولَمَّا وصلنا إلى مكتبه، استقبلتْنا أمينةُ أعماله، وأدخلتنا إلى المكتب الخصوصي للشيخ، فوجدناه يقرأ المشروع الَّذي تركناه له قبل ذلك للاطِّلاع والمصادقة عليه، وبعد أن طلب منَّا إجراء بعض التَّعديلات الضَّرورية، أخذ قلمًا ليمضي، لكن ذاك القلم لم يُسايره لتقديم إمضاءٍ جميل، فقد كان جافًّا بعضَ الشَّيء، فنظر إلينا الشيخ وقال لنا: هل أجد عندكما قلمًا يبكي بوضوح؟ قدَّمت له قلمي، وبعد أن جرَّبه ببعض الخطوط الملتوية أبدى لي إعجابه به، قال: • هذا قلمٌ يبكي بوضوح، هكذا أحب الأقلام. تبيَّن لنا أنَّه يجد صعوبةً في إيجاد الأقلام التي تؤدِّي مهامها بين يديه كما يحب، ثُمَّ أرانا علبةً فيها أقلامٌ فارغة كان قد تعوَّد الاحتفاظ بها فيها كلَّما أنهت مهامها. لم أستطع مقاومة الفضول، فسألته: ماذا تصنع بهذه الأقلام الفارغة يا شيخ؟ لماذا تحتفظ بها؟ نظر إلَيَّ باستغراب، ثُمَّ قال: • هذه الأقلام قد رافقتني زمنَ حياتها، وأعطتني حبرها؛ لأنجز به مهامي الكثيرة، وحبرها مطبوعٌ على كلِّ ملفَّاتي، وأوراقي، فكيف أتخلَّص منها بعد أن نفد منها حبرُها، أحتفظ بها للذِّكرى! صفعتني عند تلك الكلمات صورةُ شخصٍ جمعتني به ذاتَ يومٍ الأُخُوَّة في الله، أو ربَّما ما كنت أعتقد أنَّها كانت أُخُوَّةً في الله - لا يهم على من يعود الضمير... هو أم هي، غير مهم - تذكَّرت أنَّنا تعاونَّا ذات يومٍ لإنجاز أعمالٍ ظننا أنَّها كانت لله، وربَّما كانت كذلك في تلك المُدَّة، وتشاركنا لحظاتٍ شعرنا فيها فعلاً بصدق الأخوَّة في الله، وبالتآخي الَّذي كان زمن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - تذكَّرت كذلك أنَّه كانت لذاك الشَّخص مَحاسن كثيرة أحبَّه بسببها كثيرٌ من خلق الله، وكان يُضرب به المثل في الحياء، والعمل الجاد، والإيثار، والانضباط، تذكرت كذلك يومًا أحضر لنا فيه الغداء، ولم يكن مطلوبًا منه ذلك، وبعد أن أعطى لكلِّ واحدٍ منَّا نصيبه، اكتشفنا أنَّه لم يَجعل لنفسه نَصيبًا، فقد نَسِيَ ذلك، فجمعنا له من أنصبتنا نصيبًا... تَذَكَّرت أشياء كثيرة أخرى عنه، كما تذكرت أنَّه يومَ أساء إلَيَّ بسبب ضغط أزمة مَرَّ بها، واحتفظ بها لنفسه لم أستطع أنْ أعذره، ولا أنْ أسامحه، وبعد مُحاولاتٍ مِنِّي للصُّلح، وإصراره على الإساءة، جلست مع نفسي لحظات، فقرَّرت أن أحذفه من ذاكرتي بكلِّ بساطة، وكأنَّه لم يكن أبدًا، نسيت كلَّ المعاني الَّتي عايشناها ذات يوم، وقرَّرت أن أكرهه بكلِّ القوَّة الَّتي في إمكاني... نفَّذت قراري، ورميت بكلِّ الذِّكريات في ركن المهملات في ذاكرتي. حينما استفقت من تفكيري، اكتشفت أنَّ الشيخ كان قد قال كلماتٍ أخرى لم أسمعها؛ لاستغراقي فيما كنت فيه، رأيته يتجه إلى زاويةٍ من مكتبه؛ ليخرج منها مذكراتٍ كثيرة كتب فيها جداول أعماله، ومواعيده، وإنجازاته، وحاجات النَّاس الَّتي التزم بقضائها، وكراريس أخرى أكثر قِدمًا تعود إلى أوَّل سنةٍ له في المدرسة الابتدائية. خجلت من نفسي، كيف يحتفظ هذا النَّموذج الظَّاهر بقطعٍ مادية لا رُوحَ فيها بكلِّ ذاك الحب والوفاء، وكيف تخلَّصت أنا من ذاك الاسم، وأسماء أخرى غيره بكلِّ بساطة، ودون أسف، بل لمجرد قرار، بل رد فعل، فرضته عليَّ لحظات غضب لا تزال مُشتعلة. وأنا أكتب هذه الكلمات أتساءل: إن كنت سأستطيع يومًا أن أتفقَّد مهملات ذاكرتي؛ لأسترجع منها كلَّ الأسماء الَّتي رميتها فيها يومًا؟ لا أدري حقيقة، فالغضبُ لا يزال يسري في عروقي، ولا تزال نفسي تطالبني بعدم النِّسيان، وعدم السَّماح. هذا فيما يخصُّني، فماذا عنكم؟ ماذا تصنعون بأقلامِكم الفارغة، وكراريسكم القديمة؟ هل تتخلَّصون منها بكلِّ بساطة، أم أنَّكم تحتفظون بها بكلِّ حبٍّ ووفاء؟ |
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
|
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . |
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
|
الساعة الآن 12:04 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By World 4Arab