![]() |
معلم مثالي ..[ بمناسبة بدء العام الدراسي ]
معلم مثالي ..[ بمناسبة بدء العام الدراسي ]
- - - - - قال الراوي : حين شرعتُ أضعُ قدمي في وظيفتي الجديدة كمعلم ، كنتُ ألتقط كل وصية ، أو إرشاد ، أو توجيه ، أو إشارة _ سواء مقروءة أو مسموعة _ مما أحسب أنه سيعينني في هذا الطريق ، كما يتلقط الغريق كل ما يرمى إليه ولو خيطا .!! لقد اخترت هذا الطريق الوعر ، وأنا أعرف تكاليفه الكثيرة ، ذلك لقناعتي : أنه لا يوجد في دنيا الناس عمل أعظم ولا أشرف ولا أرقى ، ولا أعلى أجرا عند الله ، من مهمة التربية والتعليم ، إذا حملها الإنسان بحرارة وصدق . .. ومن ثم فلقد شرعت أقرأ كثيراً ، حول كل ما له علاقة بهذا الفن ، وكل ما يعين على التميز في هذا الميدان ، وكنت أصغي بحرص لكل متحدث في هذه المحاور ، أشد من إصغاء طفل لحكاية ترويها له أمه قبل أن ينام .! ولكن يعلم الله أنني لم أنتفع بشيء كما انتفعت بكلمة عابرة قالها لي أحدهم ، حتى أن لساني ظل يدور بالتسبيح لله ، كيف أن كلمة قصيرة عابرة قد تفعل في إنسان ما لا تفعله سنوات من القراءة والمتابعة والمحاضرات !! قال لي : عد بذاكرتك إلى يوم كنت طالبا ، في مراحل دراستك المختلفة ، والتقط صورة أقوى المعلمين الذين مروا بك ، وكنت ترى أثرهم واضحا فيك وفي زملائك ، فإن كانوا كثرة من المتميزين ، فلك أن تجمع صفات هذا ذاك وذلك ، لتتحلى أنت بهذه الباقة من المواصفات المتميزة .. ! وكأنما رمى لي هذه الإنسان طوق نجاة ، وأنا أجد نفسي أخبط بين أمواج هائلة ، في بحر لا حدود له ..! وتذكرت معلما مر بي منذ أكثر من سنين طويلة ، حين كنت في أول المرحلة الإعدادية ، لكن صورته سرعان ما انتصبت أمامي في جلاء حين استحضرتها ، .. لم أر معلما مثله _قبله ولا بعده _ ولم يمر بي أحد استطاع أن يترك بصماته على نفوس التلاميذ مثل هذا الإنسان .. لقد كان أكثر المعلمين روعة ، وأحسنهم أداء ، وأكثرهم حرارة ، وأشدهم إخلاصا ، وأعظمهم حبا لتلاميذه ، حتى الأشقياء منهم. تراه يحترق وهو يشرح الدرس ويعيده ، ويصبر على سماجة بعض التلاميذ ، وهم يزعمون أنهم لم يفهموا ما قال ، فيعيد ويكرر وابتسامته لم تتغير.. !! وكان مع هذا ودوداً لا تراه إلا باشا في وجوه الجميع ، إذا دخل الفصل دخلت معه البهجة والفرح ، وتمضي ساعة الدرس كأنها دقائق ..! ولا يخلو الأمر من أن يكون شديداً أحيانا ، إلى درجة كنا نعجب كيف انقلب ذلك الهدوء إلى عاصفة ..لكنه سرعان ما يرضى .. وكأن شيئا لم يحدث ..! وفوق هذا كله كان شديد التواضع ، يتنزل معنا ليشاركنا بعض الهوايات ، ولاسيما في خارج الفصل ، ولو بالحديث حولها ، والإرشاد فيها ، ولفت النظر إلى بعض خفاياها .. بل وكثيرا ما كان يشاركنا اللعب سواء كرة القدم أو كرة السلة ..! وأهم من هذا كله أننا كنا نراه غزير المادة العلمية ، ينجح بامتياز في تبسيط الدروس ، وكشف ما قد يخفى علينا فيها . ويعظم إعجابك به أن تراه مسيطرا على الفصل تمام السيطرة ، ولكنها ليست سيطرة الفتوة والعضلات والصوت العالي والتهديد والوعيد ، بل سيطرة يتجلى فيها الحب المتبادل بيننا وبينه ..! وكان مع هذا عذب الحديث ، طويل البال ، رزين التفكير ، طلق المحيا ، ناجح جداً في انتقاء شواهده وقصصه وأمثاله ، التي يتحفنا بها في كل مرة يطل علينا ! وأحسب أن أروع ما كان يتحلى به ، بل أحسب أن سر نجاحه ذلك هو : حسن صلته القلبية بالله عز وجل ، تتجلى روحانيته في أحاديثه ، وعلى سيما وجهه ، وتشع في ابتسامته الجميلة ، وتنضح من عينيه ، وكنا نجد صداها واضحا في قلوبنا ، بحيث أننا ننكر هذه القلوب بعد ساعة من غيابه عنا !! كان إذا سمع أحدنا يثني عليه ، يقول في تواضع : ليس مني شيء أبداً .. كل ما ترونه إنما هو فضل من الله عليّ .. ولا حول لي ولا قوة إلا بالله .. واسأله أن يثبتني ، وأن يزيدني من فضله ، وأن يرضى عني وعنكم جميعا ..! قال الراوي : حين استحضرت تلك الصورة المشرقة ، تنفست الصعداء ثم قلت : وأين أنا من هذه القمة الشماء ، وكيف لي أن أصل إلى تلك الذروة ..!؟ غير أني نفضت رأسي ، وعزمت أن أجعل صورة هذا الإنسان المتميز نصب عيني ، وسأجهد أن أحاكيه وأترسم خطاه ، ولا بأس علي بعد ذلك أن أستزيد معرفة وخبرة من هنا وهناك ، لعلي أصل إلى الصورة التي أرجوها .. ولقد مضى علي في هذا الطريق خمس سنوات ، ورغم شهادة كثير من طلابي أني نجحت بامتياز معهم ، غير أني اشعر أنه لا زال بيني وبين تلك القمة بوناً شاسعا ، ولذا فلا زلت أصر على أن أصل ولو بعد سنين ..!! ابو عبد الرحمن |
موضوع مميزيعطيك العافية
|
الله يعافيك,,,
|
|
شكرا لمروركم,,,
|
الله يوفقك لكل خير
|
شكرا لمرورك
|
الساعة الآن 5:27 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By World 4Arab