منتديات موقع بشارة خير

السفر

إخواني وأخواتي الشباب ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد:

لست أدري هل أنا محظوظ بكثرة السفر أم لا؟

فقد قال لي أحدهم إن عالمك في السماء أكثر من عالمك في الأرض!

أنا واحد من الناس الذين قدَّر الله عليهم أن يكثروا السفر في كل مكان. ولي في ذلك قدوة وسلف..

فموسى عليه الصلاة والسلام سافر إلى فلسطين، وزكريا عليه السلام سافر إلى دمشق، ومحمد صلى الله عليه وسلم سافر إلى بصرى الشام.

والسيرة مليئة بالأسفار منذ حادثة الهجرة إلى الحبشة ومن ثم المدينة، وما حصل للصحابة من تنقل دائم، وقبورهم خير شاهد.

ففي حمص لوحدها من بلاد الشام أكثر من خمسمائة من الصحابة، وفي دمشق مئات أخرى.
وفي تركيا أبو أيوب الأنصاري، وفي قبرص أم سلمة.

ومن تتبع كتاباً واحداً من كتب أئمة السلف الصالح – رحمهم الله- وهو كتاب الرحلة في طلب العلم للخطيب البغدادي يدرك بعض أسرار السفر.

*****

"السفر قطعة من عذاب" فلماذا أُفكِّر ويفكر غيري في السفر؟!

وعندي أن الحديث له معنيان:

1- أن السفر لا يمكن أن يكون معه استقرار نفسي أو روحي أو بدني لأن الغربة والحنين والشوق إلى موئل الإنسان ومرتع صباه أصيلة كما الفطرة أصيلة.

2- أن السفر مشقة وعناء وتعب ولايقدر عليه إلا من يكابده، ومن كابده استخرج الكنوز والعبر.

*****

وقد زرت القارات كلها -بفضل الله- وقرأت في كتب الكثير ممن كتب عن الرحلات، كابن بطوطة، وكثير من تأملات السائحين وأدب رحلاتهم كالندوي والعبودي والطنطاوي والأهدل، وعشرات غيرهم.

ووجدت أن ما يمكن أن أقدمه لكم إخواني وأخواتي في حدود رسالتي هذه ما يلي:-

1- في السفر نقلة فكرية وحضارية للمسافر إن هو أحسن التنقل وقرأ بتمعن المكان الذي سيرحل إليه. فثمة آثار وأسرار شاهدة على تاريخ الدولة وحضارتها، وثمة رجالات ومعالم نهوض قائمة، تثير بمجموعها الوعي وتنضج الفكر.

2- في كل دولة مُزارة خصائص وأبعاد قانونية محل تأمل ودراسة. واللبيب من يحسن تتبع أهم ما لديها من وثائق ومجلات ومراكز بحث ودراسات، ومكتبات. بل وفيها من متع الطبيعة وجمالها التي ربما تعيد البهجة للنفس، وتريح القلب بعد كدر، وربما تسمح بفرصة لإعادة بناء النفس، أو التفرغ لإنجاز عمل أو كتابه بحث، أو مراجعة خطة الحياة.

3- وفي السفر آفاق إنشاء العلاقات، وتوطيد أواصر المحبة، والتطور والنصرة. وإنشاء العلاقات المرسومة بهدوء وروية وفي الموضع الصحيح، يفتح آمالاً مشرقة مع الحياة والأحياء، ويشعل وميض الإبداع في النماء والتجديد في أمور الدين أو الدنيا. فثمة أفكار ومشاريع يمكن تطويعها للدعوة، وثمة أفكار تستغل في التجارة وصناعة الحياة.

*****

أتمنى من كل شاب وشابة عزموا على السفر أن يجمعوا مع المتعة الفائدة، فالتأمل والمراجعة في ظل السفر لها لون وطعم خاص.

واختيار الزمان والمكان المناسب للسفر، والإعداد الجيد له منذ الاستقبال إلى الوداع يمكن أن يعود بآثار عالية.

والسفر عند صاحب الرقة لا يطول، فحنينه دوماً لأول منزلِ!

وختاماً: من صحب الله في سفره دامت عافيته وطالت مسرته، ومن نسي الله في سفره تشتت شمله وخاب سعيه.

اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، نسألك في سفرنا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى.

الدكتور على العمري