يمامة الوادي |
2011-10-30 8:29 AM |
الحريصون على الانخداع
الحريصون على الانخداع
هي بوتقةٌ صغيرةٌ ، لكنّ من بداخلها يراها كبيرة عظيمةَ الخطرِ ، يكاد يضلّ طريقه بينها من كثرة شعابها وشدة اتساعها ، ولكن عليه أن يبحث ، ويظل يجتهد في البحث ؛ حتى يدرك مكاناً له بين هذه الجموع الغفيرة المتشبثة بتلك الرحى التي أخذت تدور ويشتد دورانها ، وكل متشبثٍ يأمل في الحصول منها على قمحةٍ أو قمحتين !! تبدأ بهم من مكانٍ . . سرعان ما تعود بهم إلى نفس المكان !! وهم غارقون في الوهم ، كلٌّ يمني نفسه بأنه قطع مسافاتٍ بعيدة ولا بأس من المعاناة بمواصلة السعي ؛ حتى يلتقط منها قمحة أو قمحتين !!
وما هي إلا لحظات ، حتى تعاود الرحى دورانها ؛ فيسقط من يسقط ، ويثبت من تشبث بالحياة ، حتى إذا ما عادت بهم من حيث بدأت ؛ هام كلٌ منهم في خياله ، وظن أنه سار إلى مسافاتٍ يعجز الخيال عن وصف بعدها وهاهو قد صار قاب قوسين أو أدنى من أن يلتقط منها قمحة أو قمحتين !!
وتدور الرحى ، وتشتد في الدوران ؛ حتى يسقط كل من كان عليها ؛ دون الحصول على أي شيء ! !
لقد قتلهم الانخداع ، أو قتلوا أنفسهم به ! !
تماماً كما هو الحال في واقع حياتنا ! ! فالكل منّا يدور مع رحى العيش ، يمنيه طول الأمل بجمع طائل الثروات والعيش في ظلالها منعماً مكرماً ، ويظل يسعى وراء حلمه الوادع ؛ لاهثاً بذلك وراء السراب ! !
حتى يسقط فجأة ، ودون أي مقدمات في أكفان ملك الموت الذي لايمهل ولا يتأخر ، فيفجعه ذلك السقوط المباغت ، الذي بدد أحلامه الوردية ، وأحالها هباءً كالسراب ؛ وتحتم عليه معاينة ما غفل عنه من هول يوم المحشر وحيينها يستيقن أن أحلامه الوردية وآماله العريضة ؛ قد أضاعت عليه أيام عمره دونما أدنى شعور ، بل وكانت بالفعل كالسم الزعاف الذي جرعته له بزيف أمانيها وسم خداعها ، وهو يبتسم على أمل الوصول إلى تلك الأماني التي أفاق منها على مثل هذه النهاية المفجعة !
إنه نفس المسلسل المؤلم الذي لم يسأمه البشر ، ولم يستفيدوا مما فيه من حقائق مفجعة ، بل ظلوا يكررونه ويمعنون في تكراره ؛ حتى سقطوا جميعاً من على الرحى ، ومن بقي منهم الآن ، لا يزال مهددًا بملاقاة نفس المصير إلا أن يعقل آيةً واحدةً من كتاب الله ، عقلها قبله الصالحون فكانوا لها من الموقنين ؛ حتى صاروا بها من الناجين قال تعالى : ( يا أيها الناس إن وعد الله حق ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، ولا يغرنكم بالله الغرور )
وأخيراً ، ليكن تشبثنا بكتاب ربنا خلال دوران الرحى ؛ حتى لا نهلك مع الهالكين ، وحتى يمن الله علينا بتجاوز الصراط يوم الدين ، فنكون بذلك أسعد الخلائق أجمعين ، فربنا . . هو أكرم الأكرمين .
ابو مهند القمري
|